لا شكَّ أنَّ الكافيار هو أكثر أنواعِ الطعامِ فخامةً وأغلى طعام في العالم على امتداد التاريخِ البشري، وقد كان الفُرْسُ أوَّلَ الجماعاتِ البشريةِ التي أَدخَلَتْ بيوضَ سمكِ الحَفَش ضِمْنَ نظامِها الغذائي، وهكذا فكلمةُ كافيار تنتمي إلى اللغةِ الفارسيةِ وتعني حرفياً “المُوَلِّد”، ويَرْجِعُ ذلكَ إلى اعتقادٍ راسخٍ لدى الفُرْسِ بأنَّ استهلاكَ هذا الغذاءِ الشهيِّ يزيدُ قوةَ الإنسانِ وقدرتَهُ على التَّحَمُّل.
إنَّ تصنيفَ الكافيار كأغلى طعام في العالم لا يُعَدُّ تصنيفاً حديثاً وإنَّما يعودُ إلى حقبٍ تاريخيَّةٍ مُوغلةٍ في القِدَم. لقد اختفى الكافيار من قوائمِ الطعامِ خلالَ القرونِ الوسطى ليُعاودَ الظهورَ ثانيةً في روسيا خلال القرنِ الميلاديِّ الثاني عشر، حيثُ اعتادَ الصيادونَ والفلاحونَ على استهلاكِ بيضِ سمكِ الحفش كمصدرٍ رخيصٍ للبروتين، فقد كانَ معظمُ الروسِ حينَها يرزحونَ تحتَ فقرٍ شديدٍ جَعَلَهُمْ يميلونَ إلى استهلاكِ سمكِ الحفش الذي كان متوفراً بكثرةٍ حينَها.
لقد عُرِفَ عن البابا يوليوس الثاني حُبُّهُ للطعام وميلُهُ الشديدُ إلى تناولِ الكافيار، وبالإضافةِ إلى دخولِهِ بوابةَ التاريخ العريضة عبرَ رسمِ مايكل أنجلو له على سقفِ كنيسةِ السيستين الخالدة، فقدْ أدخلَ البابا يوليوس الثاني مادةَ الكافيار كمُكوَّنٍ ثابتٍ ضمنَ موائدِ الاحتفالاتِ الملكيةِ في أوروبا، وبذلكَ فقد أعادَ لهذا الغذاءِ الفريدِ مَكانَتَهُ العاليةَ كطعامٍ نخبويٍّ عالي القيمة الغذائية، وفي نفسِ الفترةِ تقريباً عُرِفَتْ عن القيصرِ بطرس الأكبر رغبةٌ عارمةٌ في استهلاكِ الكافيار، مما أعطى لذلك الغذاءِ شهرةً كبيرةً حينها في جميعِ أصقاع روسيا المترامية.
مِنَ المؤسفِ حقاً أنَّ القيمةَ العاليةَ لبيضِ سمكِ الحفش وتصنيفه كأغلى طعام في العالم جعلت هذا النوعَ من الأسماكِ يقفُ على حافةِ الانقراض، ويَظهَرُ أثرُ ذلكَ واضحاً في النُّدرةِ الشديدةِ للكافيار الأبيض الذي يَتِم استخلاصُهُ من إناثِ السمكِ الأمهق Albino Fish التي تتجاوزُ أعمارُها المائة عام. لا يوجدُ لدى هذه الأسماكِ أيُّ قَدْرٍ من صباغِ الميلانين الطبيعي، وهو خللٌ وظيفيٌّ يَظهرُ أثرُهُ على الأفرادِ كما على البيوضِ التي تُعطيها.
ما هو الكافيار؟
رغم أنَّ كلمةَ كافيار تُشيرُ ببساطةٍ إلى بيضِ السمك، لكنَّ معظمَ أنواعِ الكافيار تحتاجُ إلى بعض العملياتِ التحضيريةِ كي تُصبِحَ جاهزةً للاستهلاك. إنَّ الأنواعَ الأربعةَ الرئيسيةَ من الكافيار هي (الكافيار الماسي) و(كافيار بيلوجا) و(كافيار أوسييتري) و(كافيار سيفروجا)، وتختلفُ هذه الأنواعُ فيما بينها من حيثُ اللون والحجم والنكهة. إنَّ هذه الاختلافاتِ بالإضافةِ إلى مدى التوفُّر هي العواملُ التي تُحدِّدُ أسعارَ الأنواعِ المختلفةِ من الكافيار.
الكافيار الماسي Almas:
الكافيار الماسي هو أغلى وأرقى أنواع الكافيار، وكانَ النوعَ المفضلَ لدى الإغريق الذينَ استوردوه من مكانٍ قَصِيٍّ هو منطقة كريميا أو القرم في جنوب أوكرانيا. يتمُّ الحصولُ على هذا النوعِ من الكافيار من بيوضِ حفش بيلوجا الأمهق الذي يوجدُ فقط في بحر قزوين. إذا أردتَ الحصولَ على بعضِ الكافيارِ الماسيِّ فإنَّهُ يتوجبُ عليكَ الذهابُ إلى واحدٍ من فروعٍ قليلةٍ من مخازن Caviar House & Prunier، وهيَ الأماكنُ الوحيدةُ في العالم التي يمكنُ شراءُ هذا النوعِ منها. يأتي هذا النوعُ من الكافيار معبأً في عبواتٍ معدنيةٍ مطليةٍ بالذهب من عيار 24 قيراطاً، مما يجعلُهُ مثالياً كهديةٍ فاخرةٍ في أوساطِ النخبة. يمكن أن يصلَ ثمنُ كيلو جرامٍ واحدٍ من الكافيارِ الماسيِّ حتى 53400 دولارٍ أميركي مما يجعلُهُ الطعامَ الأغلى في العالم وُفقَ كتابِ جينيس للأرقامِ القياسية.
يمكنُ أن يُعْزَى غلاءُ الثمنِ جُزئياً إلى الندرةِ الشديدةِ لأسماكِ الحفش الأمهق التي تعيشُ بشكلٍ رئيسيٍّ على الجانب الإيراني من بحر قزوين. يزيدُ الأمرَ تعقيداً أنَّ البيوضَ تُؤخَذُ حصراً من إناثٍ بأعمارٍ تَفوقُ مائةَ عامٍ، حيثُ أَنَّها تكونُ ذاتَ قوامٍ إسفنجي مرغوبٍ أكثرَ من قوامِ تلكَ المأخوذة من أسماكٍ أصغرَ سِناً. خلالَ تحضيرِهِ يُعامَل الكافيار بالملح بكلِّ حذرٍ ودِقةٍ لإِظهارِ الطَّعمِ المميَّزِ الخاصِّ بالكافيار الماسي والذي فيه شيءٌ من طعمِ البندقِ وشيءٌ من مذاقِ الكريما، ويتمُّ بَذلُ جهدٍ كبيرٍ للمحافظة على البيوض كما هي مما يُساعدُ على تحسينِ المذاقِ بشكلٍ كبير.
مثلَ مُعظمِ أشكالِ الكافيار، يقدَّمُ الكافيارُ الماسيُّ عادةً على رقائق التوست أو شرائحَ من الخبزِ أو شيءٍ من المَقلِيَّاتِ المقرمَشة، ويُفَضَّلُ تقديمُهُ في أطباقٍ غيرِ معدنيةٍ لتلافي إفسادِ طعمهِ المميَّزِ، ويوضَعُ الثلجُ أسفلَهُ للحفاظِ على حرارتِهِ عندَ درجةٍ مناسبة.
كافيار بيلوجا Beluga:
يتمُّ الحصولُ عليهِ من أسماكِ حفشِ بيلوجا التي تعيشُ في بحرِ قزوين، ويُعَدُّ ثانيَ أغلى الأنواعِ بعدَ الكافيار الماسي، ورغمَ أنَّ أسماكَ حفش بيلوجا أكثرُ تَوَفُّراً من السمكِ الأمهق إلا أنها نادرةٌ نسبياً مما يجعل الكافيارَ المأخوذَ منها باهظَ الثمن، فكانَ بِذلكَ يُعتَبَرُ طعاماً ملكياً اعتَمَدَتْ عليهِ الكثيرُ من العائلاتِ الملكيَّةِ عبرَ القرون.
إنَّ بيوضَ هذا النوعِ من السمكِ هيَ الأكبرُ بينَ بيوضِ جميعِ أنواعِ أسماكِ الكافيار، فكُلُّ بيضةٍ يُمكِنُ أن تَصِلَ إلى حجمِ حبَّةِ البازلاء، ويتراوحُ لونُها بينَ الفضيِّ الباهتِ والأسودِ القاتم، ونكهَتُها معتدلةُ ميَّالةُ قليلاً إلى طعمِ الزُّبدةِ مع شيءٍ من الملوحة. أفضلُ طريقةٍ لتقديمِ هذا النوعِ هي بعدمِ الإكثارِ من الإضافات، حيثُ يُمكِنُ الاكتفاءُ مثلاً بتناوُلِهِ معَ قِطعٍ مثلثةٍ من التوست.
كافيار أوسييتري Osciétre:
رغم أنَّ أسماكَ حفش Osciétre يعودُ أصلُها إلى بحرِ قزوين، إلا أَنَّ مُعظَمَ محصولِ الكافيار من هذا النوع يأتي من أسماكٍ مرباةٍ في مزارعَ سمكية، وذلكَ لضمانِ أعلى جودةٍ ممكنةٍ للمنتَجِ، بالإضافةِ إلى ضرورةَ المحافظة على النوعِ الآخذةِ أعدادُه بالتناقص بسرعة. رغم أنَّ بيوض هذا النوعِ أصغرُ حجماً من بيوضِ أسماك بيلوجا إلا أنها ذاتُ حجمٍ كبيرٍ نسبياً وشكل ثابت، وهي صفاتٌ مرغوبةٌ في الكافيار. إنَّ نكهةَ هذا النوعِ من الكافيار أكثرُ جودةً من الأنواعِ الأخرى مع وضوحِ الطعمِ البحريِّ فيه، ويتراوحُ لونُ هذا النوعِ بينَ البنيِّ القاتمِ والذهبيِّ، وعموماً تأتي البيوضُ ذاتُ الألوانِ الأفتحِ من الأسماكِ ذاتِ العمرِ الكبيرِ نسبياً، وتكونُ أغنى بالنكهةِ و أعلى سعراً من تلكَ التي تمتلكُ ألواناً أكثرَ قتامةً.
كافيار سيفروجا Sévruga:
يعودُ أصلُ أسماكِ حفش سيفروجا إلى بحرِ إيجة والبحرِ الأسود وبحرِ قزوين، لكنَّ هذا النوعَ من الكافيار يؤخَذُ تحديداً مِنْ أسماكِ سيفروجا الموجودة في بحر قزوين. أشهرُ أنواعِ سمك سيفروجا هو سمك الحفش النجمي، وهو يتكاثرُ بسرعةٍ أكبرَ مما في أسماكِ Beluga وأسماك Osciétre، ونتيجةً لذلك فإنَّ هذا النوعَ من الكافيار هو أكثرُ الأنواعِ توفراً وأرخصُها ثمناً، وبما أنَّ الحفشَ النجميَّ هو أصغرُ أنواعِ الحفشِ المنتجِ للكافيار لذلك فإن بيوضَ الكافيار المأخوذةَ منه تكونُ الأصغرَ بين نظيراتِها. بيوضُ هذا النوعِ ذاتُ لونٍ فاتحٍ لؤلؤيٍّ وطعمُها بحريٌّ بوضوحٍ ويتركُ أثراً خفيفاً من طعم الكريما.
لا بديلَ عن الأصلي:
بعدَ هذهِ الرحلةِ القصيرةِ في العالمِ الرائعِ لأسماكِ الحفش، وبعدَ أن تحدَّثنا حول الأنواعِ الرئيسيةِ الأربعةِ للكافيار، بقيَ أنْ نُشيرَ إلى وجودِ عددٍ كبيرٍ من السلالاتِ الأخرى بعضها هجينٌ وبعضُها يوجدُ في مناطقَ أُخرى من العالمِ مثلَ بحرِ الصين. على كلِّ حالٍ، لا يُمكِنُ لمُجرَّدِ الوصفِ الكلاميِّ أن يُغنِيَ عنْ تجربةِ الكافيارِ بشكلٍ فعليٍ لشخصٍ لم يسبقْ لهُ تذوُّقُه، لذا ننصحُكَ بالبحثِ عن أقربِ مَتجَرٍ يبيعُ الكافيار لكي تَدخُلَ بنفسِكَ تلكَ التجربةَ الرائعة.
إذا كان موضوعُنا قد نال إعجابكَ، نرجو أن تتفضلَ بإخبارِنا بذلكَ، وسيكونُ مِنْ دواعي سرورِنا أن تشارِكَنا تعليقَكَ في الأسفل. ولا تنسَ التسجيلَ لدينا كي يصلكَ كلُّ جديدٍ في عالمِ الرفاهيةِ والفخامة.