عندما يُثار حديثٌ حول الرفاهية، تتبادر إلى الأذهان فوراً صورُ سياراتٍ فارهة، ومجوهراتٍ مُثقلةٍ بالأحجار الكريمة، وفيلاتٍ ضخمةٍ ذات إطلالاتٍ ساحرة، ومجموعاتٍ كبيرةٍ من المقتنيات التاريخية، وغير ذلك من الأشياء المشابهة. قد لا يخطر على بال شخصٍ من عامة الناس أن يندرج شيءٌ من الطعام أو المشروبات ضمن قوائم الأشياء الأكثر ترفاً في العالم.
جميعنا يعلم بوجود مطاعم في غاية الفخامة تقدم لروادها من أطايب الطعام ما يغمرهم بمتعة إحساس الرفاهية، ولكن نادراً ما يسمع أحدٌ عن مادةٍ غذائيةٍ تكلف المشتري ثروةً طائلةً لقاء الحصول على كميةٍ ضئيلةٍ منها بشكلها الأولي غير الجاهز للاستهلاك.
إذا دخلنا في حديثٍ حول الشاي، فمن الأفضل الانتباه إلى أنه ليس دائماً مجردَ مشروبٍ يستمتع الشخص باحتسائه صباحاً أو في جلسةٍ مع الأصحاب. هناك أنواعٌ من الشاي يمكن اعتبارها رمزاً من رموز الفخامة والرفاهية التي لا يحدها حد. يعد شاي دا هونج باو أفضل أنواع الشاي في العالم التي لا تستطيع اقتناءَها إلا فئةٌ محدودةٌ جداً من الناس شديدي الثراء.
ما هو شاي دا هونج باو؟
إن شاي دا هونج باو هو أفضل أنواع الشاي في العالم والأغلى ثمناً، حيث يكلف كيلوجرام واحد منه ثروةً تبلغ 1.2 مليون دوﻻر أميركي. نظراً إلى الأصول التاريخية لهذا الشاي وإلى سمعته العريقة التي تجعل منشأه يشبه أسطورةً من أساطير العصور القديمة، تبلغ قيمة هذا الشاي اليوم ما يقارب قيمة ثلاثين ضعف وزنه من الذهب.
يصنف شاي دا هونج باو كواحدٍ من أنواع شاي أولونج الذي يمتلك تركيباً وسطاً ما بين الشاي الأخضر والشاي الأسود. يتم الحصول على هذا الشاي من جبال Wuyi الواقعة في مقاطعة فوجيان بالصين.
إن النباتات التي تجعل من هذا الشاي جزءاً من معالم حياة الرفاهية الفائقة يبلغ عمرها حوالي 350 عاماً. لقد بقي من ذلك النوع ست شجيراتٍ فقط لا وجود لغيرها في العالم بأسره.
ما هي أصناف شاي دا هونج باو؟
إن تجربة نكهة شاي الفخامة دا هونج باو تكلف ثروةً حقيقية. لجعل هذه التجربة أكثرَ منطقيةً من ناحية الثمن وجعل الشاي متاحاً لفئةٍ أكبر من الناس فقد تم تقسيمه إلى ثلاث فئاتٍ متباينةٍ من حيث الثمن.
1- شاي دا هونج باو الأصلي
تُعرف الشجيرات التي تعطي هذا النوع باسم (شجيرة دا هونج باو الأم)، وﻻ يوجد منها اليوم سوى ست شجيرات في العالم، ثلاثٌ منها تعود إلى عصر أسرة سونج. إن حقيقة وجود ست شجيرات فقط من هذا النوع جعلَتْها تُعَدُّ في غاية الندرة، وهذا ما جعل ثمن الشاي الذي يتم إنتاجه منها عند حدٍ لا يصدق من الارتفاع.
لقد بِيعت كمية 20 جراماً فقط من هذا الشاي في مزادٍ بمبلغ 30 ألف دولار، وبعد المزاد، أمرت الحكومة في عام 2007 بعدم جمع المزيد من الشاي من هذه الشجيرات لضمان بقائها لأطول فترةٍ ممكنة. لقد رفع ذلك من قيمة ما تبقى من الشاي أكثر وأكثر.
2- شجيرات دا هونج باو المستنسَخة ذات الصفات الأصيلة
لقد تم إنتاج هذه الشجيرات مخبرياً بعملية الإكثار الخَضَري، وذلك من خلال استنبات عدة مقاطع صغيرة مأخوذة من الشجيرات الأم. بدأت القصة عام 1908 حيث قامت أكاديمية فوجيان للعلوم الزراعية بإجراء مجموعةٍ من التجارب لإنتاج شجيرات شاي دا هونج باو أصيلة الصفات، حيث تم أخذ عدة مقاطع قابلة للاستخدام في الإكثار الخضري، وكان الناتج مجموعةً من النباتات مشابهةً تماماً للنبات الأصلي.
لقد وصل شَبَهُ النباتات الناتجة بالنباتات الأم إلى حدٍّ جَعَلَ بعض خبراء الشاي يصفون الشاي الناتج عنها بأنه مطابقٌ تماماً للشاي الناتج عن النباتات الأم، وذلك في تحكيمٍ جرى عام 1988 بعد إكثار النباتات لعدة أجيالٍ متتالية. لقد كان من الواضح عدمُ إمكان تداول الشاي الناتج عن الشجيرات الأم نتيجة الثمن الباهظ بشكلٍ لا يُصَدَّق، لكن إنتاج هذه الشجيرات المستنسخة أصيلة الصفات جعل من الممكن توفير شاي دا هونج باو بأسعارٍ أقرب قليلاً إلى حدود المعقول. رغم كل ذلك، بقي ثمن شاي دا هونج باو مرتفعاً إلى درجةٍ تجعل اقتناءَه حِكراً على قلةٍ قليلةٍ من أصحاب الثروات في العالم، بينما ظلَّ بالنسبة للكثيرين مجردَ رمزٍ من رموز الرفاهية المُفرطة وحلماً يصعب تحقيقه.
3- شاي دا هونج باو الاستهلاكي
رغم الإنتاجية الجيدة لشجيرات دا هونج باو المستنسخة إلا أنها لم تتمكن من إنتاج ما يكفي لخفض سعر الشاي إلى حدٍ مقبولٍ للأسواق الاستهلاكية، وهذا ما جعل معهد بحوث الشاي في جبل وويي يبدأ تجربةً لإنتاج خلطةٍ تناسب إمكانات شريحةٍ كبيرةٍ من المستهلكين، وقد حصلوا نتيجة التجربة على خليطٍ يحتوي شاي دا هونج باو مع مجموعةٍ متنوعةٍ من أنواع الشاي التي تُنْتَجُ في جبل وويي. لقد تم الحصول على خلطة شايٍ حققَتْ نجاحاً تجارياً ساحقاً واكتسبَتْ شعبيةً كبيرةً جداً، حيث نالت خصائص الخلطة استحسانَ المستهلكين الذين أُعجبوا باللون الرائع للشاي الناتج وتمتعوا بالنكهة الفريدة لشاي دا هونج باو الاستهلاكي.
تحتوي الخلطات الجيدة على نكهةٍ خفيفةٍ مميزةٍ ورائحةٍ عطريةٍ مرغوبةٍ، ولكن نكهة الخلطة ليست بنفس قوة نكهة أي نوعٍ مفردٍ من أنواع الشاي التي تدخل في تكوين الخلطة.
ما هي أسباب الغلاء الفاحش لشاي دا هونج باو؟
ﻻ شك أن شاي دا هونج باو هو أفضل أنواع الشاي والأغلى بين جميع أنواع الشاي في العالم، ولكن تقبَع خلف ذلك الغلاء مجموعةٌ من الأسباب، فليس من الممكن وجود سلعةٍ غالية الثمن دون أن يكون هناك مبررٌ لغلائها. في حالة شاي دا هونج باو، المبرر الأكثر منطقيّةً لغلاء الثمن هو الندرة الشديدة لشجيرات هذا النوع من الشاي، وهذا ما يجعله الشاي الأعلى ثمناً في العالم بأسره.
لقد لوحِظَ أثناء إجراء تجارب التذوق على خلطات شاي دا هونج باو أن الناس غالباً ما يبحثون عن طعمٍ مركزٍ ولذيذٍ مع مزيجٍ معقدٍ متناغمٍ من النكهات المميِّزة للشاي، بالإضافة إلى طعمٍ ذي أثرٍ نهائيٍّ طويل الأمد.
غالباً ما ينفر الناس من الشاي ذي الطعم المحترق الناتج عن الإفراط في التحميص، حيث يعطي مثلُ هذا الشاي عادةً طعماً لاذعاً قليلاً مع شيءٍ من المرورة. يدل ذلك غالباً على عدم وجود نكهةٍ أصيلةٍ في أوراق الشاي فتتم تغطية ذلك بزيادة التحميص. أما إذا تم تحميص أوراق الشاي بطريقةٍ دقيقةٍ وباحترافيةٍ عاليةٍ، فسوف يعمل ذلك على تعزيز النكهات النباتية الطبيعية المرغوبة بالنسبة إلى ذواقي الشاي. هذه النكهات تختفي بشكلٍ شبه كاملٍ من الشاي الذي يتعرض للتحميص الجائر.
يكلف شاي دا هونج باو أكثرَ من الذهب لدى مقارنتهما على أساس الوزن. يتم إنتاج شاي دا هونج باو بكمياتٍ ضئيلةٍ في محميةٍ طبيعيةٍ، والسبب الأبرز في ندرته هو أن المساحة المخصصة له ضمن المحمية صغيرةٌ للغاية. من وجهة النظر البيئية، يجب الحفاظ على النظام البيئي للمحمية، لذلك، لا يجوز توسيع مساحة زراعة الشاي على حساب باقي مكونات التركيب النباتي للمحمية.
لدى محاولة تكثيف زراعة الشاي في المحمية تأثرت سلباً مياه عدة شلالاتٍ في المنطقة، لذلك تبين للقائمين على العملية أنه ليس من الحكمة توسيع زراعة الشاي لِما لها من آثارٍ سلبيةٍ على المحمية.
تخضع زراعة الشاي في المحمية إلى ضوابط صارمة، ويتم جمع الشاي من شجيراته مرةً واحدةً في العام، وهذا ما يجعل شاي دا هونج باو الأندرَ في العالم وبالتالي الأغلى ثمناً، لدرجة أنه صار رمزاً من رموز الرفاهية لا يحلم بالحصول عليه سوى قلةٌ من نخبة الأثرياء في العالم، فدفْعُ 1.2 مليون دوﻻر ثمناً لكيلوجرامٍ واحدٍ من الشاي ليس فقط بعيداً عن منال الطبقة الوسطى، بل بعيدٌ أيضاً عن منال معظم الأثرياء.
كلمة أخيرة
ليس هناك شكٌ في حقيقة أن شاي دا هونج باو يقع ضمن قائمة أغلى أنواع الشاي في العالم، ويتربع على رأس القائمة نظراً لارتفاع سعره بشكلٍ ﻻ يصدق، مما يجعل امتلاكَ كيلوجرام واحدٍ منه يُعَدُّ إغراقاً في الرفاهية وإمعاناً في البذخ.
ﻻ يمكن إنكار حقيقة أن شاي دا هونج باو لديه قدرةٌ مذهلةٌ على إرضاء ذوق مستهلكيه من مُترفي الأثرياء، بينما تشكل تجربة تذوقه حلماً لدى الكثيرين، لكن المشكلة هي أن من يحتسي كأساً من هذا الشاي فلن يرضيه ثانيةً أيُ نوعٍ آخر من أنواع الشاي في العالم.
من الواضح أن الثمن شديد الارتفاع لشاي دا هونج باو يجعلُه متاحاً فقط لعددٍ قليلٍ من الناس الذين يعيشون حياةً في غاية الترف، أما بالنسبة لباقي البشر، فإن من يحالفُهُ الحظ منهم بتذوق شاي دا هونج باو لن ينسى طعمَه مدى حياته. إن التاريخ الحافل لشاي دا هونج باو وصفاته الحسية الرائعة هي الأمور التي تفسرُ الثمن الباهظ جداً لذلك الشاي. رغم غلاء الشاي المأخوذ من النباتات المستنسخة أصيلة الصفات إلا أنه أقل ثمناً بكثيرٍ من الشاي المأخوذ من النباتات الأم. يتوفر شاي دا هونج باو في الصين ويكلف احتساء كأسٍ من ذلك الشاي الرائع 100 دوﻻر أميركي، أما بالنسبة لشاي النباتات الأم فإن ثمنَهُ الرهيبَ يجعل الحصول عليه حلماً يصعب جداً تحقيقُه.
نرجو أن يكون الموضوع قد أعجبكم، وننتظر أن تشرفونا بمشاركاتكم واشتراككم معنا لكي نبقى معاً على مشارف عالمٍ رائعٍ من الرفاهية والفخامة.