يظل عشاق جمع الأشياء الثمينة والنادرة في حالة بحثٍ دائمٍ عن أشياء جديدة يضيفونها إلى مجموعاتهم، لكن بحثهم المحموم يستهدف بشكلٍ رئيسٍ الأشياءَ الغريبةَ والفريدةَ ذات القدرة الكبيرة على جذب الانتباه. في الوقت الذي يتسابق فيه البعض لامتلاك الماس والسيارات الرياضية رفيعة المستوى والمجوهرات الثمينة والفيلات باهظة الثمن، نجد بعضَ الناس يبحثون عما هو أكثر تميزاً من كل ذلك. مثلُ هؤلاء سيكون من دواعي سرورهم وفخرهم لو استطاعوا وضعَ يدهم على أحجار قمريّة كأحد أنواع النيازك.
هل توجد أحجار قمرية على الأرض؟
إنَّ مِن أغرب وأجمل ما قد يحلم به إنسانٌ هو أن يسافر إلى القمر ويعود حاملاً قطعةً منه إلى الأرض، ولكن، أينما وُجدَت الأحلام وُجدَت الفرص. رغم غرابة السيناريو ولكن ما يحدث حقاً هو أن واحداً من كل ألف نيزكٍ قمريٍ يصل إلى الأرض سليماً ليستقر عليها. أحد هذه الأحجار القمرية أو النيازك القمرية المحظوظة كان نيزكاً سقط في الصحراء الكبرى -التي تحتل الجزء الأكبر من شمال أفريقيا- واكتُشِفَ من قِبَلِ شخصٍ غير معروف. حَصَلَتْ على القطعة إحدى جهات البحث العلمي ووضعَتْها تحت الدراسة المستفيضة، وبيعت القطعة القمرية بعد ذلك في مزادٍ خاصٍ جرى في دار كريستيز للمزادات، وقد أُقفِلَ المزاد عند ثمنٍ باهظٍ جداً بلغ 2.5 مليون دوﻻر أميركي (2.2 مليون يورو). لتكون أكثر الأحجار القمرية أو النيازك ثمناً حتى هذه اللحظة.
قد يسأل سائلٌ حول كيفية انتقال حجر نيزك فريد كهذا ليُباع في نهاية المطاف ضمن مزادٍ خاصٍ بدل أن تظل تحت تصرف الجهات المعنية! إن الإجابة على هذا التساؤل بسيطةٌ للغاية، حيث تمتلك الحكومة الأمريكية حوالي 400 كيلوغراماً من الصخور القمرية على الأرض، وقد تم الحصول على هذه الصخور من القمر مباشرةً أثناء رحلات وكالة ناسا إلى القمر.
لقد تم إرسال حجر النيزك القمري بدايةً إلى مَخبرٍ متخصصٍ لتحديد ماهيته، حيث قامت جهةٌ بحثيةٌ بدراسة تكوين الصخرة ومقارنتها بعيناتٍ قديمةٍ من الأحجار القمرية وبالنتيجة تم تأكيد كون القطعة الصخرية ذات منشأٍ قمري، ثم أُرسلَت لتُعرَض ضمن المزاد الخاص، حيث بيعَتْ بسعرٍ مذهلٍ قدره 2.5 مليون دولار (2.2 مليون يورو). يبلغ وزن حجر النيزك القمريّ هذا حوالي 13 كيلو جراماً، ويقارب حجمه حجم كرة القدم، وليس من المبالغة أن نقول أنه أياً كانت المجموعة التي سيوضع الحجر القمري ضمنها، فسيكون بحقٍ جوهرة التاج التي تزينها.
هل هي مجرد قطعةٍ من صخرٍ أصم؟
“أن تحمل بين يديك شيئاً من عالمٍ آخر هي تجربةٌ رائعةٌ ﻻ يمكن نسيانها”، هذا ما قاله جيمس هيسلوب رئيس قسم العلوم والتاريخ الطبيعي في كريستيز. رغم ذلك يبدو أن قطعة القمر لم تَنَلْ ما تستحقه من اهتمامٍ، ويعود ذلك بشكلٍ كبيرٍ إلى أن معظم الناس تنظر إليها على أنها مجرد قطعةٍ من الصخر وليس من المنظور الآخر الذي يراها كشيءٍ غريبٍ جاء إلينا من الفضاء الخارجي وحطَّ بسلامٍ على أرضنا.
ورغم هذه النظرة غير المنصفة إلا أن الصخرة القمرية ليست كأي صخرةٍ أخرى. لِنرَ كيف تختلف تلك الصخرة عن كل ما ألِفْناه من كنوزٍ وأحجارٍ كريمةٍ على كوكب الأرض بحيث استحقت أن تُباع بذلك الثمن الضخم الذي بلغ 2.5 مليون دوﻻر (2.2 مليون يورو).
جسمٌ غريبٌ من الفضاء الخارجي
الرفاهية ﻻ تعني بالضرورة أن تمتلك قاعة عرضٍ كبيرةً تحتوي نفائسَ التحف، لكنها قد تتجسد بكل بساطةٍ بامتلاكك شيئاً متناهي الفرادة بحيث لا يمتلك أحدٌ مثيلاً له. إن قطعة حجر النيزك أو الصخر القمري لا تكتسب قيمتها الهائلة من كونها مجرد قطعةٍ من الصخر، فما من أحدٍ سيهتم بعرض قطعةٍ من صخرٍ عاديٍ ضمن مجموعةٍ فخمةٍ من المقتنيات الثمينة، ورغم أن تلك الصخرة من حيث طبيعتها الجيولوجية وخصائصها البصرية ﻻ تُقارب تكوينَ الماس، إلا أنها لا تقل عنه قيمةً كونَها جاءت من الفضاء الخارجي كنيزكٍ من أصلٍ قمريٍ حالَفَهُ الحظ بالوصول إلى الأرض دون أن يحترق في الغلاف الجوي، وهذا نادر الحدوث جداً، وبذلك سيضمن مقتني الحجر القمري أنه لن يجد له مثيلاً عند أي شخصٍ آخر في العالم. باختصار، لن تجد صخراً مشابهاً في أي كهفٍ أو منجمٍ في العالم، كما لن تتمكن من الحصول على شبيهٍ له من خلال أي عملية صقلٍ أو معالجةٍ لأي حجرٍ على كوكب الأرض. هذه الدرجة من الفرادة هي التي تعطي للحجر القمري قيمتَه العالية بين مقتنيات جامعي الكنوز، وبذلك يمكن اعتبارُه علامةً فارقةً في عالم الرفاهية.
إنَّ نُدرةَ حجر النيزك هذا تصل حداً يجعل نسبةً ضئيلةً جداً من البشر يمكن أن تشهَدَ خلال حياتها هبوطَ حجرٍ مثله على سطح الأرض، فكيف بنا ونحن نتحدثُ حول امتلاكه؟!
واحدٌ بالألف
من أكثر نقاط التميز في امتلاك حجر نيزك قمري هي ندرتُه الشديدة. لقد بينت الأبحاث الفلكية أن الأحجار القمرية نادرةٌ للغاية على سطح الأرض، حيث ﻻ تتجاوز نسبةُ ما يصل منها إلى الأرض واحداً بالألف، وهذا ما يعطي للحجر القمري تلك القيمة الهائلة.
رغم عدم وجود قطعٍ من الماس أو من أي حجرٍ كريمٍ آخر ضمن الصخر القمري، إلا أن قيمة الصخر ذاته تفوق بكثيرٍ قيمة الأحجار الكريمة التي يتنافس على امتلاكها المتنافسون. إن قيمة قطع الأحجار الكريمة تتحدد بجمال شكلها وكبر حجمها ودرجة ندرتها، فإذا أضفنا إلى الندرة الشديدةِ جمالَ القمر الذي ﻻ يقارن بأي شيءٍ آخر، تبين لنا سبب بيع قطعة القمر في المزاد بهذا الثمن الباهظ جداً.
قطعةٌ ذات بعدٍ رمزيٍ عميق
يمكن اعتبار القمر رمزاً لأشياء كثيرةٍ كالحب والازدهار والقوة والتفرد، ولا يمكن إنكار أن قطعة الحجر القمري ﻻ تقارن بأي شيءٍ آخر في هذا العالم. لقد اعتُبِرَ القمر على مر العصور رمزاً يمثل كل الأشياء الجيدة والمحببة سواءً كان ذلك على صعيد الأدب الإنساني أو علم التنجيم، وقد حافظ القمر على مكانةٍ لا ينازعه عليها منازعٌ في تمثيل القوة والحب.
إن امتلاكك لتلك القطعة القمرية الرائعة سيجعلك تُفاخر بكونك محط أنظار الكثير من الناس الذين يتمنون الحصول على شرف الاقتراب من مجموعة مقتنياتك لمجرد إلقاء نظرةٍ عن كثب على ذلك الشيء النادر القادم من الفضاء. ستشعر بأن لديك شيئاً في غاية التميز، وستسمع الناس يقولون كلاماً جميلاً حول كنزك المهيب، وسيشكل ذلك قوةً معنويةً لك تُشعِرُكَ بروعة رمز الحب الذي بين يديك. إن قطعة القمر هذه ستظل محط أنظارِ كبرى المتاحف في العالم، فهي تستطيع أن تُحقق شهرةً واسعة للمتحف الذي يمتلكها، كما أنها تضمَنُ تدافُعَ الناس في أروقة المتحف بحثاً عن مكان تلك القطعة الثمينة.
كلمةٌ أخيرة
إنَّ بيعَ قطعة القمر في مزادٍ لا يعني أبداً عدم إمكانية إعادة بيعها إلى مشترٍ آخر، ورغم أن من المُستَبْعَدِ أن يفرط مالك هذه التحفة الفريدة بها، إلا أن الاحتمالات كلها لا تزال قائمة.
سيظل هناك الكثير من الناس ممن لا يرون قطعة النيزك القمري سوى مجرد صخرة، ولكن عشاق الطبيعة سيجدون فيها سحراً لا يُقاوَم، حيث ستُلهِبُ مخيلَتَهُم فكرة أن الصخرة قادمةٌ من الفضاء الخارجي، ومن القمر تحديداً، ذلك الشعار المعلَّق على صفحة سمائِنا بكلِّ بهاءٍ ليُعَبِّرَ عن كل معاني الحب والجمال.
نرجو أن تكونوا قد استمتعتم بقراءة موضوعنا، وننتظر بصبرٍ أن تُشرِّفونا باشتراككم معنا لكي تظلوا على تواصلٍ دائمٍ مع عالمٍ رائعٍ من الفخامة.