من بين ملايين الأشياء التي يستخدمها البشر، تحتل المجوهرات التي ترتديها النساء مكانةً في أعلى درجات الأهمية، فهي من أبرز رموز الهيبة والثروة والمكانة الاجتماعية. في البداية كان ارتداء المجوهرات مجرد جزءٍ من التقاليد الاجتماعية، ولكن مع مرور الزمن اكتسبت المجوهرات قدرةً على إبراز شخصية المرأة بكل ما تحمله من أنوثةٍ وعنفوان، كما صارت من أهم الركائز التي تدعم ثقة المرأة بنفسها. لكن الفكرة التي يجب ألا تغيب عن بال المرأة تتمثل بأن اختيار قطعة المجوهرات غير المناسبة أو المبالغ بها له أثرٌ سلبيٌ يسيء بشدةٍ إلى الصورة الاجتماعية للمرأة.
لقد كان وﻻ يزال السؤال ملحاً عما إذا كان ارتداء الحلي جزءاً من الأزياء أم من التقاليد السارية، أم هو رمزٌ من رموز الرفاهية والترف، أم ضرورةٌ من الضرورات.
هل المجوهرات مجرد رفاهيةٍ أم هي ضرورةٌ من الضرورات؟
من الشائع نسبياً القول بأن ارتداء المجوهرات أمرٌ ضروريٌ لأنه يحدد أبعاد شخصية المرأة وجانبها الأنثوي، كما سرت الأعراف على مدى العصور باعتبار المجوهرات أحدَ أهمِّ أجزاء الملابس النسائية، في حين يَعتبرُ البعض أن المجوهرات ليست سوى نوعٍ من الرفاهية تستطيع من خلالها نساء الطبقات المخملية إبراز مكانتهن وقيمتهن وقوتهن. في عصورٍ سابقةٍ كان بالإمكان اعتبار المجوهرات ضرورةً من ضرورات الحياة، لكنها أصبحت في العصر الراهن رمزاً من الرموز ذات الثقل الكبير في تحديد المكانة الاجتماعية للشخص. رغم ذلك، فإن مكانة المجوهرات كمكوَّنٍ من مكونات الرفاهية ليست وليدة العصر الحالي، فالحقيقة أن ارتباط المجوهرات بمفهوم الرفاهية يرجع إلى عصورٍ كانت فيها العائلات المالكة هي الحاكم الوحيد في هذا العالم. يتم الآن تناقل مجوهرات تلك العائلات باعتبارها كنوزاً ثمينةً تتوارثها الأجيال كجزءٍ من إرثٍ ملكيٍ عريق.

لقد دخلت التاريخَ قطعةٌ رائعةٌ من المجوهرات هي عقدٌ من البلاتين مرصعٌ بالماس يعود إلى الملكة المصرية نازلي صبري زوجة الملك الشهير فؤاد الأول، ولكن نظراً لوضعها المالي المؤسف خلال سبعينات القرن الماضي، اضطرت الملكة إلى بيع العقد ضمن مجموعةٍ من مجوهراتها المُغرِقةِ في الترف. لا شك أن ذلك العقد كان وﻻ يزال أعجوبةً حقيقيةً لها وزنها في سوق المجوهرات الفاخرة والمقتنيات الملكية.
العقد الماسي العائد للملكة المصرية نازلي صبري
هو أحد أروع قطع المجوهرات الملكية، ويُعتقد أنه القطعة الأكثر فخامة في عصره، وقد تم تصميم العقد عام 1939 من قِبَلِ Van Cleef & Arpels، حيث صُمِّمَ خصيصاً للملكة. يشكل العقد قطعةً فنيةً شديدة الخصوصية، فتصميمه مبهرٌ من الناحية البصرية حيث صُنِعَ بشكلِ مئزرٍ يغطي الصدر ويحمل قطعاً من الماس زنة 220 قيراطا. لكن ما يميز العقد أكثر من تصميمه هو ما يحمله من قيمة تاريخية نتيجة انتمائه إلى الملكة المصرية نازلي صبري. تم بيع العقد بمبلغ 4.3 مليون دولار أمريكي (3.82 مليون يورو) في دار Sotheby’s للمزادات في مدينة نيويورك عام 2015. إن العقد الذي يشبه تصميمُهُ خيوطَ شمس الصباح يبدو بأبهى صوره عندما تتقلده الملكة نازلي، والتي تم تصميم العقد بشكل حصريٍ ليتناغَمَ مع طلتها البهية.

كانت الملكة نازلي أول ملكةٍ حكمت مصر باعتبارها الزوجةَ الثانيةَ للملك فؤاد الذي اعتلى عرش الديار المصرية بين عامي 1919 و1936. نظراً إلى تاريخها العظيم، لم يكن غريباً أن تفكر الملكة نازلي بالحصول على قطعة مجوهراتٍ من المستوى الملكي مصممة ومنفذة ببراعة لارتدائها في مناسبةٍ واحدةٍ فقط. تلك المناسبة كانت زفاف ابنة الملكة والذي شكل علامةً بارزةً في تاريخ العائلة، بل وفي تاريخ المملكة أيضاً، وقد زيَّنت روعةُ العقد حضورَ الملكة بإشراقةٍ في غاية الروعة. لقد عُرِفَتْ عن الملكة نازلي قوة عاطفة الأمومة، وقد احتل ابنُها الوحيد فاروق مكانةً خاصةً في قلبها، تَلَتهُ أخواته الأربع، فوزية وفايزة وفائقة وفتحية، فكُنَّ جميعاً قرةَ عين الأم الملكة.

يُعدُّ عقد الملكة نازلي واحداً من قطع المجوهرات الملكية الفريدة على مستوى العالم والتي يتجاوز ثمنها مليون دوﻻر (أكثر من 0.89 مليون يورو). إن العقد هو تحفةٌ فنيةٌ من تصميم وتنفيذ المبدعين في Van Cleef & Arpels في مدينة باريس، الذين قاموا بوضع التصميم خصيصاً للملكة المصرية نازلي لارتدائه فقط في حفل زفاف ابنتها الذي جرى خلال عام 1939.

نظرًا للفرادة منقطعةِ النظير التي ميَّزَتْ العقد، فقد اشتُهِرَ بأنه “قطعة المجوهرات المثالية”. لقد تم إطلاق هذه الصفة على العقد من قِبَلِ فينسينت ميلان، ذلك المؤلف ذائع الشهرة صاحب كتاب Van Cleef & Arpels: Treasures and Legends.
ما الذي يجعل عقد الملكة نازلي قطعةً فريدةً من المجوهرات؟
بالنسبة لعقدٍ ينتمي إلى ملكةٍ مصريةٍ سابقة، لن يكون المذهل هو ارتفاع ثمن ذلك العقد، بل على العكس، إن المذهلَ هو انخفاض ثمنه إلى الحد الذي بيع به في المزاد رغم قيمته التاريخية التي لا تضاهى. قد يبدو انخفاض سعر العقد غير مبررٍ لدى كثيرٍ من الناس نظراً لارتباطه بخلفيةٍ تاريخيةٍ ملكية، لكن الأمر ﻻ يقف عند تلك القيمة التاريخية فقط، فالعقد يتمتع بالعديد من الميزات الفريدة الأخرى التي تجعله مميزاً عن أي قطعة مجوهراتٍ أخرى في العالم.
نذكر في ما يلي بعضاً من أبرز الأسباب التي تجعل من العقد الماسي للملكة المصرية نازلي صبري رمزاً من رموز الرفاهية، والتي تجعله يستحق مكانةً مثاليةً بين التذكارات الملكية.
١- قطعةٌ فريدةٌ من نوعها
لقد تم صنع نسخةٍ واحدةٍ لا ثاني لها في العالم من عقد الملكة نازلي. ذلك العقد الملكي مصنوعٌ من هيكلٍ بلاتينيٍ يحمل 673 قطعةً من الماس، بعضها مقطوعٌ بشكلٍ متطاولٍ يشبه طريقة قَطْعِ الزمرد، وبعضها الآخر مقطوعٌ بالشكل الدائري المضلع المميِّزِ للماس والذي يتلألأ بكافة ألوان الطيف ليعطي للعقد منظراً مهيباً وسحراً آسراً للبصر. تم ترتيب القطع في ثلاثة خطوطٍ تشكل أطواقاً كاملةً تحيط بالعنق، وتجتمع الخطوط الثلاثة من الأمام في شكلٍ يمثل الشمس تم تشكيله باستخدام أربعة خطوطٍ متدليةٍ من الماس.
لقد كان العقد الرائع دُرَّةَ مجموعة مجوهرات الملكة نازلي التي لا وجود لنظيرٍ لها في العالم كله، وقد خلقت هذه المجموعة لنفسها في ذلك الوقت هالةً عجيبةً من العظمة والفخامة فكانت مثارَ إعجاب معاصريها، كما افتُتِنَ بها أبناء الأجيال التي أتت بعدها، وﻻ زال العقد الرائع إلى يومنا هذا يعتبر جزءاً من أعظم مجموعة مجوهراتٍ ملكيةٍ في العالم.
٢- يتمتع العقد بقيمةٍ تاريخيةٍ كبيرةٍ إضافةً إلى ما يحمله من قيمةٍ عاطفية
الجانب الأكثر روعةً من حكاية العقد هو أنَّه يُمثِّل أرقَّ مشاعر أمٍ محبةٍ تجاه ابنتها. لقد صُنِعَ العقد عام 1939 من قِبَلِ Van Cleef & Arpels بناءً على طلبٍ خاصٍ من الملكة، وذلك بهدف ارتدائه لمرةٍ واحدةٍ فقط في حفل الزفاف الملكي التاريخي الذي أقيم في القاهرة لابنتها المحبوبة الأميرة فوزية على ولي العهد الإيراني حينها محمد رضا بهلوي. لقد قام ولي العهد بالتخطيط لإقامة حفل زفافٍ تاريخيٍّ يظل مثالاً للفخامة والترف على مر العصور.
تمت دعوة عددٍ ضخمٍ من الضيوف من العائلات الملكية ونُخَبِ عالم الفن والمال، وقد كانت جميع الترتيبات على أعلى المستويات، ونظراً إلى أهمية المناسبة الملكية فقد كان من الضروري أن يكون عقد الملكة على مستوى فخامة الحدث. علاوةً على ذلك، أظهرت الملكة نازلي أناقةً متناهيةً في ارتداء العقد الماسي إلى جانب تاجٍ وخواتم مطابقة لتصميم العقد.

مما ﻻ شك فيه أن التاريخ الذي يقف وراء قصة العقد الرائع يضفي عليه قيمةً لا يمكن أن تُضاهى بسهولة.
٣- تعرَّضَ العقد الفريد إلى الضياع ثم عاد للظهور ثانيةً!
يقال أنَّ سوء الإدارة المالية لرياض غالي صهر الملكة نازلي وزوج ابنتها الأميرة فتحية، جعل كلاً من الملكة وابنتها تفقدان معظم ثروتيهما عام 1973. رغم انفصال الأميرة فتحية عن زوجها خلال عام 1965، إلا أن مركزها المالي كان في حالة تدهورٍ خطيرٍ نتيجة الديون التي تراكمت ولاحقتها حتى حقبة السبعينات من القرن الماضي. من أجل حل الأزمة المالية التي تورطت بها الملكة وابنتها، اضطرت الملكة إلى بيع جزءٍ كبيرٍ من مجموعة مجوهراتها في المزاد في نوفمبر\تشرين الثاني من عام 1975 في دار Sotheby’s للمزادات في نيويورك.

بعد بيع العقد ضمن مجموعة المجوهرات، بات مصيرُهُ مجهولاً تماماً. لقد تناقل المهتمونَ لوقتٍ طويلٍ فكرة أن العقد قد اختفى للأبد ولم يعد له وجودٌ إلا في الصور القديمة، لكن – ويا للمفاجأة – ظهر العقدُ ثانيةً في مزادٍ علنيٍ جرى عام 2015، وملخص القصة أن جامعَ المجوهرات الذي اشترى العقد في مزاد عام 1975 عاد في عام 2015 ليطرح العقد في مزادٍ في دار Sotheby’s بعد اختفائهِ تماماً لمدة أربعين عاماً.
كلمة أخيرة
إنَّ مما لا شك فيه أن العقد الماسيَّ العائد إلى الملكة المصرية نازلي صبري يمكن اعتباره قطعةً من المجوهرات متناهية الفخامة ويمكن أن يتوِّجَ أيَّ مجموعةٍ قد تحتويه. وكما يوجد العديد من هواة جمع السيارات أو العملات أو المجوهرات، يوجد أيضاً من يعشقون جمع التركات الملكية فيسارعون بشغفٍ إلى ارتياد المزادات التي تُطرَحُ فيها مثل هذه الأشياء التي تمثل منتهى الفخامة والترف. ورغم كل تلك الهالة من العظمة التي تحيط بالعقد فإن ثمنَهُ أقل بكثيرٍ من أن يوازيَ قيمتَه الحقيقة، وهذا ما يجعل الكثير من هواة جمع المجوهرات يَحارونَ بشأن ذلك الثمن المنخفض. إن المزاد الذي أقيم منذ خمس سنواتٍ لم يُنصِف ذلك العقد الماسي الرائع الذي ينتمي إلى مقتنيات واحدةٍ من ملكات عصرها، فمبلغ 4.3 مليون دوﻻر هو مبلغٌ بخسٌ إذا ما قورِنَ بالقيمة التاريخية لذلك العقد الذي تتلألأ على متنه 220 قيراطاً من أجود أنواع الماس، ويحمل بفخرٍ توقيع خبراء المجوهرات الراقية في Van Cleef & Arpels.

إذا أعجبكم موضوعنا هذا فستُعجبنا جداً مشاركتكم، وسيكون لنا مزيدٌ من السرور إن اشتركتم معنا لكي تظلوا على اتصالٍ مع عالمٍ عجيبٍ من الفخامة والرقي.